العدد 242 مجلة ميكي ديسمبر 1965

العدد 242 من مجلة ميكي الصادر بتاريخ : 9 ديسمبر 1965 م

مع العدد هدية // لوحة تعلوب

- تتوقف السعادة على ما نستطيع إعطائه لا الحصول عليه .
------------------------------------------------------------------

- القراءة سبيل المعرفة ، و المعرفة سبيل الحرية .
------------------------------------------------------------------

طرائف 

حمل جحا اوزة مشوية الي الامير ، و غلبه الجوع في الطريق فأكل احدى رجليها .. و عندما وضعها بين يدي الامير سأله عن الرجل الناقصة ، فقال " جحا " : ان الاوز كله برجل واحدة في هذا البلد ! 
و تقدم جحا بالامير الي النافذة القصر و اشار الي سرب من الاوز يقف علي قدم واحدة كعادته وقت الراحة ..
فدعا الامير جندياً من حراسه و امره ان يطارد الاوز بعصاه .. و ما كاد يفعل حتي اسرع الاوز يجري هنا و هناك علي رجلية ، قال الامير : ارأيت ؟ ان اوز هذا البلد ايضاً خلق برجلين ..
فرد جحا : مهلاً ايها الامير .. فلو هجم احد علي انسان بهذه العصا لجرى علي أربع


العدد بصيغة CBR & PDF


العم دهب شيف في المطبخ يطبخ المال نقود فلوس انكل سكروج خلفية صفراء


سيتم اضافة رابط تحميل PDF لاحقاً 



القصص في العدد :

ميكي في عصر سميراميس
دارتنيان اشهر الفرسان
صفحتين قصص قصيرة 
قصة بندق فول و جواهر
زورو و الرسائل السرية
صفحات هاها و بريد القراء 


شعر : حصان بجناحين

نفسي... حصانى الخشب                            و يبقى حصان بجناحين
يشب .... و ينتصب                                   و يطير و ياخدنى....فين ؟
 ●●●
يطير عارفين لفين ؟!                                      بعيد... بعيد...بعيد
لأجل أضحك ضحكتين                                 للدلتا و للصعيد.....
ح أضحك للنيل و أقول:                                يا نيل بلدى الجميل
طلع غلة و فول                                             و قطن و تين و تيل
 ●●●
و المالح ح أسأله                                           من فين موجك يا بحر
مشوار ما أطوله                                            مشوار سنة و شهر
●●●
و أما أسأل الهوا                                           ليه احنا مبنشوفوش
يشتد و يتلوى                                             و يزوم زى الوحوش
 ●●● 
مهما الهوا غضب                                       و مال شمال و يمين 
نفسي حصانى الخشب                                يبقي حصان بجناحين

 -----------------------------------------------

لمعلوماتك

- ان مقدار ما يسيل من دموع فى الدقيقة يملأ فنجاناً من القهوة فى المتوسط.

- يسمى نبات "الكوبرا" بالنبات المفترس، أو آكل الحشرات، و يشبه هذا النبات رأس الأفعى، و عندما تقف عليه النحلة فإنها سريعاً ما تتوغل فى الداخل حتى تسقط فى تجويف الساق المبطن بالشعر و هنا تلقى حتفها.

- يقولون الأخطبوط العشرى الصغير هو السبب فى إختراع المحرك النفاث، فقد لوحظ إن هذا الحيوان ذا الأطراف العشرة يسحب الماء من داخل جسمه ثم يطلقه بقوة كى يستطيع أن يدفع نفسه بقوة إلى الأمام أو إلى الوراء، و هى نفس فكرة المحرك النفاث.

- هل تعلم أن فى خرطوم الفيل أربعين عضلة، فهو أقوى عضو بين أعضاء الأحياء جميعاً، و بواسطته يستطيع الفيل أن يرفع حملاً ثقله طن تقريباً، و أن يقذف به رجلاً إلى مسافة 40 ذراعاً.


قاموس ميكي < بوذا >


البوذية من اكثر الاديان شيوعاً في اسيا ..
عاش بوذا منذ 2500 سنة مضت ، و قد ولد في الهند و كان ابوه ملكاً وامه ابنه ملك ، و اسم بوذا معناه المستنير ..
قضى بوذا طفولته سعيداً يعيش في قصر فيه الخدم و الجواري و لكن لم يسمح له بالخروج منه .. و تزوج وهو في التاسعة عشرة من عمره و ظل يعيش مع زوجته في القصر في عزلة عن العالم ..

و في سن التاسعة و العشرين صمم علي ان يترك هذه الحياة المترفة و يسعى لمساعدة الناس علي احتمال ما يعانون من الام ، فذهب الي الجبال .. و شيئاً فشيئاً كون اراءه فيما يجب علي الناس ان يؤمنوا به 
و بعد سنوات عديدة من عيشة العزلة في الجبال نزل الي السهول و ظل 45 عام يعلم الناس الشفقة و تحمل الالام في صبر ، فنال اعمق الحب و امن به الكثيرون .. 
وتوجد له الاف المعابد في مختلف مدن اسيا



قصة قصيرة جداً

الشحاذ و آلهة الحظ!


طاف الشحاذ يتسول متنقلاً من دار إلى دار، حاملاً على ظهره "مخلته" العتيقة البالية، يلقى فيها بكل ما يجود عليه به المحسنون. و كان أينما يسير يندب حظه فى الحياة لأن الله خلقه فقيراً، بينما خلق غيره الكثيرين من الأغنياء ينعمون بنعم الحياة و خيراتها. 
و تصادف حينئذ مرور "آلهة الحظ" فلما رأته أعترضت طريقه و قالت له:
-اصغ إلى ما سأقوله لك.... افتح "مخلتك" لأنى سأصب فيها كل ما تطلبه من نقود ذهبية.. و لكن بشرط ألا تدع قطعة واحدة منها تسقط من "المخلة" إلى الأرض لأنها إذا سقطت فكل ما فى "المخلة" إلى الأرض لأنها إذا سقطت فكل ما فى "المخلة" من ذهب سوف يتحول إلى تراب فى لحظة واحدة، فاحذر.... و لا تنس أن "مخلتك" البالية قد أنهكها الاستخدام فلا تحملها أكثر مما تتحمل.
فما سمع منها هذا الشرط حتى وافق على الفور و أسرع و فتح أمامها "مخلته" .... فأخذت تصب فيها من النقود الذهبية رويداً... رويداً، و راعه بريق الذهب فنسي التحذير و النصح الذى أُسْنِدَ إليه منذ لحظة، فقالت له: 
-ألا ترى أن فيما أخذته الكفاية؟
-كلا يا سيدتى...أرجوك ان تزيدينى....أرجوك
-و لكن.... أريدك أن تتذكر بأن "مخلتك" قديمة و أخشى أن تُشَق إذا حملتها فوق طاقتها....
- لا تخافى يا سيدتى.... لا تخافى... انها تتسع أكثر مما فيها الآن....
- و لكننى أذكرك بالشرط الذى ذكرته لك....
- أرجو أن تكملى جميلك يا سيدتى... كمية قليلة أخرى....
   و فى تلك اللحظة انشقت "المخلة" فسقط كل ما فيها على الأرض و صار تراباً، و اختفن آلهة الحظ تاركة الشحاذ أفقر مما كان، و هو يقلب بين يديه "مخلته" المشقوقة و يندب حظه نادماً على طمعه و جشعه.


دارتنيان (أشهر الفرسان)     


     "ألكسندر دوماس" الأب، من أشهر كتاب فرنسا، و قد كتب روايته الخالدة "الفرسان الثلاثة" التى كان بطلها الفارس "دارتنيان"، بطل روايتنا اليوم .....

     كان "دارتنيان" فارساً فى البلاط الملك "لويس الثالث عشر" و كان فارساً قوياً لا يُقْهَر، شديد الذكاء، وسيماً، سريع الحركة، و كان شعره طويلاً ملتوياً على شكل بوكلات، و كان دائماً يدافع عن الحق يساعده زملاؤه الثلاثة "آتوس" و "بورتوس" و "آراميس".... و كان فوق كل هذا يتميز بكل ما يتميز به أهل بلدة "جكسونيا" من الصراحة المطلقة و العناد الشديد....

فى أحد الأيام كان "دارتنيان" يتنزه على ظهر جواده خارج المدينة، عندما لمح فى طرف الغابة ستة من الأشرار ينهبون عربة مقلوبة على جانب الطريق، فصرخ قائلاً: 
 -الويل للصوص!
و اندفع بجواده نحو جماعة المجرمين.

و كان القتال قصيراً، ففى لحظات سقط اثنان من الأشرار على الأرض بدون حياة، و أُصيب اثنان بجروح خطيرة، بينما قنع الآخرين بالفرار هرباً، و قد تملكهما الفزع. 
    
   و لما اقترب "دارتنيان" من العربة، شاهد فتاة صغيرة فى نحو الثانية عشرة من عمرها و هى تبكى بشدة ، فحملها برفق و أوصلها حتى قصر أبيها ...

     و مرت الأعوام....و فى سنة 1643، أنقذ "دارتنيان" عرش "لويس الرابع عشر" و هو لا يزال طفلاً فى الخامسة...
و ذات مرة عُهِدَ إليه بمهمة سرية جديدة إلى إنجلترا... و فى هذه المرة أضطر إلى السفر متخفياً فى شخصية طباخ إيطالى و أقسم بشرفه ألا يكشف عن اسمه الحقيقي مهما حدث له..و فى أثناء الرحلة قُبِضَ عليه. و أُرسِلَ الطباخ المزيف إلى فرنسا حيث رُمىَ فى سجن الباستيل. و كان "الكاردينال" هو الوحيد الذى يعرف الحقيقة و سر السجين، لكنه أراد أن ينتهز الفرصة و يتخلص إلى الأبد من "دارتنيان"....
    
    لكن "دارتنيان" بدون أن يكشف عن شخصيته، تحايل ليوصل إلى الملك بطاقة صغيرة فى بيضة مُعَدة لإفطاره.. و فى هذه البطاقة كُتِبَ: "مولاى...... ان طباخاً إيطالياً مسكيناً يحتضر فى الباستيل. و هو يشبه إلى حد كبير هذا السيد الذى حظى بشرف انقاذ ابنة جلالتكم عندما كانت فى الخامسة من عمرها...فاحكم له بالعدل".
    و فى الحال أطلق "لويس الرابع عشر" سرح "دارتنيان" و أمر "الكاردينال" بتعويضه بأن قدم له مبلغاً كبيراً من المال. و بعد غزوات عديدة، أشترك "دارتنيان" فى مغامرة جديدة و خطيرة. ففى أثناء حصار ضد الأسبان، تسلل الفارس الشجاع إلى خطوط الأعداء و هو متنكر فى زى تاجر دخان. و بعد أن أتم مهمته، و فى أثناء عودته ألقى القبض عليه كمشبوه فى أمره. و تخيل "دارتنيان" نفسه مشنوقاً، و قطعة من الحبل الخشن تتدلى حول رقبته، فأكتأب إلى هذا المصير إلى حد ما، لكنه ما لبث أن أسترد طبعه المرح المتفائل الذى يتمتع به أبناء السواحل و خاصة عندما أكتشف أن الجندى المكلف بحراسته يتكلم نفس لهجته الجاكسونية.
    و نسي كل من الجندى و تاجر الدخان وضعهما، و أخذا يتابدلان الحديث حتى الصباح بلهجتهما المشتركة، حتى وصلا أثناء الكلام إلى غزوات "دارتنيان" و بطولاته الخارقة.
    -قال الجندى: أنت تعرفه بدون شك.
فقال "دارتنيان" : كلا، و انت ؟
فرد الجندى: أوه! إننى أعرفه حق المعرفة.
و أخذ الجندى يفخر ببطولات السيد "دارتنيان" كما لو كان هو فاعلها!
    و استطرد قائلاً: لقد أشتبك فى ألف مبارزة، و لم يكن يقل عدد خصومه عن عشرة أشخاص فى كل واحدة منها!
هل ترى هذه الحفرة؟ انها عميقة، هل ترى هذا المرتفع.... انه عالٍ جداً .
و هل ترى هذا الجواد المربوط فى ذلك الوتد ؟ لو كان "دارتنيان" هنا لأخذ الحصان و قفز المرتفع و عبر الحفرة.. هل تستطيع أنت ذلك؟!
-نعم أستطيع...
-كلا لن تقدر....
-فقال دعنى أجرب اذن!
   و بدون أن ينتظر الرد، فك "دارتنيان" الحصان بسرعة فائقة و اعتلى ظهره و تحت سمع و بصر الجندى المبهور، قفز المرتفع و عير الحفرة و انطلق إلى الحرية غير عابئ بشئ.
   و تعددت غزوات الفارس "دارتنيان" و كثرت بطولاته و استحق بسببها و عن جدارة لقب ماريشال معسكر.


الرياضة (يقدمها: محمود أبو زيد) 

سيد عطية - محتكر بطولة الجمهورية للطبنجة ! 

 لم يكن يدرى أبداً انه سوف يصبح يوماً ما بطلاً للجمهورية، حتى كان عام 53 الذى فتح فيه باب التطوع أمام الشباب المصرى، فأنخرط فيه "سيد" متطوعاً فى كتائب الفدائيين و بدأ تدريبه على ضرب النار، و لفت "سيد" نظر المسئولين عنه بدقة إصابة الأهداف، فأمروا بإشراكه ضمن مسابقة لضرب النار.... كان ذلك عام 54 و كان السباق الأول بالنسبة له، و فيه فاز بالمركز الأول على المدفع البرن، و فى عام 56 رُشِحَ للسفر إلى دورة ملبورن باستراليا... و فاز فى التصفيات بالمركز الأول لكنه لم يسافر بسبب العدوان الثلاثى.
   و ظل "سيد عطية" بطلاً للجمهورية العربية المتحدة فى الرماية بالطبنجة الحرة و السريعة منذ عام 57 حتى يومنا هذا.... و جميع أرقامه قياسية لم يستطع أن يصل إليها أى رامٍ عربى.
   و أسأل بطلنا عن بطولاته الدولية....فيقول: 
-أحرزت المركز الثانى فى بطولة مصر الدولية بعد "سيمون أوجو" الإيطالى
-فى بطولة الدورة العربية الرابعة فزت بالمركز الأول بفارق 32 بنطاً بينى و بين من يلينى فى الترتيب، و الرقم الذى سجلته، رقم عربى جديد...و على فكرة فأنا حاصل على دبلومات أستاذ فى الرماية فى الدرجتين الأولى و الثانية فى موسكو عام 58.
-فى بطولة العالم عام 62 أحرزت المركز الثانى فى الطبنجة كبيرة العيار و الطبنجة الحرة مسجلاً رقماً عربياً جديداً.
    و أسأل البطل ... عن أهم مميزات لاعب الرماية...فيقول....
 أن يكون "بارداً" حتى يستطيع أن يتحكم فى أعصابه، و ألا يدخن أو يشرب "المكيفات" و لا يشاهد السينما إلا نادراً.
 -و كيف يمكن تأدية تمارين النظر؟    
       يقف اللاعب بين علامتين على جانب رأسه و على بعد مترين، ثم ينظر مرة إلى اليمين و يتحقق جيداً من العلامة التى فى جهة اليمين ثم يتجه لجهة اليسار ليتأكد من العلامة التى فى جهة اليسار و عليه أن يحرك عينيه دون أن يحرك رأسه....بعد ذلك يكرر هذه الحركة إلى أعلى و إلى أسفل 10 مرات فى كل مرة... و فى الساعة السابعة صباحاً عليه أن ينظر إلى قرص الشمس لحظة ثم يغلق عينيه بخفة مدة ربع ساعة يومياً مكرراً حركة فتح العينين تحت قرص الشمس... بعد هذا سيحس بتقدم كبير فى قوة ابصاره.
    و هنا يتدخل كتكوت جميل هو ابن البطل و أسأله عن اسمه فيسرع بالرد: علاء
و يقول أبوه، انه يعده ليحتل مكانه من بعده... و أسأل عن عمره فيتضح انه ابن سبع سنوات، و مع هذا فإنه يحصل على نسبة ضرب 75% بينما يحصل بطل الناشئين عندنا و الذى يجب ألا يقل سنه عن 12 سنة على 85%، و يتوقع له أبوه أن يصل بنسبته هذه إلى 97% حين يبلغ عمره إثنا عشر عاماً و يتمكن من الإشتراك فى بطولات الناشئين.
-هل تعتقد أن الرماية تحتاج إلى مجهود؟ 
يمكننى أن أقول لك أن مجهود خمس طلقات رصاص = 60 كيلو جرياً.
-ما هى أمالك؟    
أن أظل أكسر أرقامى و أرقام العالم، ثم أرى ابنى فى المركز الأول من بعدى خصوصاً و انه الآن "أول مدرسة النصر المشتركة" بالعجوزة.  
و أترك الأب لأن ابنه جذبه من يده و هو يقول له: "يالا يا بابا عشان ميعاد التمرين...أصل أنا عاوز اصبح بطل أقوى منك."


من روائع الادب العربي 

الأرض

بقلم عبد الرحمن الشرقاوى
إعداد و تلخيص يحيى الطاهر عبدالله

منذ عشرين سنة عدت من القاهرة فى إجازة الصيف، بعد أن حصلت على الشهادة الإبتدائية... خلعت بنطلونى و جاكتتى المسودة، و لبست جلبابى الأبيض كعادة أهل قريتى..
لم يسألنى الصبيان كعادتهم كل صيف عن مصر و أهل مصر.. و لم يطلب واحد منهم –كما تعودوا- أن أتحدث أمامه باللغة الإنجليزية أو أضحك بالإنجليزية. كان كل حديثهم عن "وصيفة" التى عادت من البندر فى الشتاء الماضى، و التى كبرت و لم تعد تلعب مع الصبيان. 

     و تذكرت حكايتى مع "وصيفة"، كان ذلك قبل أن أذهب إلى المدرسة الإبتدائية بعام واحد، كانت "وصيفة" أكبرنا سناً. و كانت تعرف الكثير من الأشياء التى لا نعرفها نحن الصغار. كانت وحدها التى تستطيع أن تتسلق أشجار التوت...و تهزها لنا فنأكل الثمار.
كانت تنط على أشجار "الزغلنت" و تصنع العقود من حباته الصغيرة... كانت تتسلق جميزة "عبد الهادى" المخيفة الارتفاع و تنزل مسرعة و معها كمية من الجميز توزعه علينا، نلعب به و نأكله و هو أخضر.

     كانت هى الوحيدة التى لا تخاف "الشيخ شناوى". و " الشيخ شناوى" هو فقيه القرية، و خطيب مسجدها و مأذونها الشرعى، و معلم الأولاد فيها، و واعظ الكبار. و هو رجل عريض ضخم الجثة.. غليظ القفا.. عظيم الكرش.. يحب الموالد و الطعام، و كنا نحسب نحن الصغار أنه يستطيع أن يضع فى بطنه بقرة.
و هو رجل يحبه الجميع و يضحكون معه، و لا يوجد فى القرية رجل لم يذق عصا سيدنا "الشيخ الشناوى" عندما كان يقرأ فى الكُتَّاب. و مرت أربعة أعوام ... خمسة... و انتهيت من دراستى الإبتدائية، و أقبلت إلى قريتى محملاً بالكتب و بأحلام الدراسة الثانوية، و أحلام بالبنطلون الطويل و الجاكيتة المفتوحة ذات الجيب الصغير فى داخلها، و الكرافتة التى تتراقص مع الريح و الحذاء القصير بلا رقبة. و رجوت أمى –و أنا أقبل يدها- أن تتوسط عند أبى ليحول مصروفى اليومى إلى مصروف شهرى محترم بما أنى حصلت على الإبتدائية.

   و أخذت أحلم بالنقود الفضية التى ستملأ جيبى الصغير فى داخل الجاكيتة المفتوحة و جيب بنطلونى، و أنتشي و أنا أتصور نفسي أضع يدى فى جيب البنطلون لأعبث بالنقود فأتمتع بلمسها و رنينها الجميل. و حلمت بساعة و طلبتها من أمى، و لكنها قالت لى: أن الساعة تعطل الذين فى سنى، و أن الساعة مثل طول الشعر، ميزة للذين يدرسون فى السنوات النهائية من المدارس العليا كأخوتى الكبار.
و حلمت أكثر من هذا... بأننى أسير فى المظاهرات التى يقوم بها طلبة المدارس الثانوية و أطلق حنجرتى بالهتاف.. فى زحمة الأحلام كنت قد نسيت "وصيفة" و ظل أصدقاء صباى فى القرية يتحدثون عنها أمامى، و لكنى أقبلت أروى للصغار كثيراً مما شاهدته فى القاهرة.. و فى ذلك العام بالذات شاهدت فى القاهرة ما لم أشاهده فى عام آخر.

   و لم يسألنى الصغار –كما تعودوا أن يسألوا- عن مصر- و لكنى بدأت أنا أحدثهم عما رأيت فى مصر. فى تلك الأيام كانت القاهرة لا تهدأ أبداً، و كنت أعرف من أحاديث أخوتى الكبار، و من الجرائد التى يحملونها... أن رجلاً اسمه "صدقى" يحكم مصر بالحديد و النار، بعد أن ألغى الدستور لحساب الإنجليز ... و كنت أراه يطلق فى القاهرة جنود الإنجليز حُمر الوجوه ليحموا له سلطانه على رقاب الناس. 

   و كنت فى المدرسة المحمدية الإبتدائية اسمع دوى الرصاص كل يوم. و أعرف عندما أنصرف إلى البيت فى العصر، أن دوى الرصاص كان يزلزل القاهرة كلها... و مع ذلك ففى صباح كل يوم كانت عنابر العمال تقذف بالآلاف فى الشوارع من جديد... و هتافات الطلبة تهز السماء.
و كانت المدرسة الخديوية الثانوية تخرج إلى الطريق كل صباح فتهتف بحياة الدستور و الاستقلال و الحرية و بسقوط "صدقى" و الإنجليز. 
و اقتحم طلاب المدرسة الخديوية علينا باب المدرسة ذات صباح من مارس و اضطرب الناظر و المدرسون و ضباط المدرسة... و لكننا اندفعنا مع طلاب الثانوى ، و قد ألهبنا الفرح و سرنا فى موكب كبير يتصايح بهتاف واحد. و شعر كل منا بقلبه ينبض و بجسمه يقشعر و الدم يغلى فى العروق.. و فجأة واجهتنا جماعة من الجنود الإنجليز حُمر الوجوه ، كانوا يوجهون نحونا البنادق، و تعالت الصرخات من الشرفات و النوافذ، و صاح فتى منّا: "الاستقلال التام أو الموت الزؤام"... و طلب النساء فى خوف أن نرجع للوراء، و رجعنا قليلاً إلى الوراء، فوجدنا جنوداً مصريين، سُمر الوجوه كالرجال فى قريتى: ينادون بعضهم بنفس الأسماء –أسماء الرجال فى قريتى- و لكنهم يحملون العصا الغليظة يضربون بها الرؤوس و الأرض. 
و مضيت أروى لزملائى فى القرية كل هذا: أحلامى و المدرسة الثانوية و ما رأيته فى القاهرة و "صدقى" و الانجليز و الدستور. كانوا يسكتون أحياناً و يستمعون بشغف. و أحياناً يتحدثون عن "وصيفة" ... و وجدتهم يعرفون "صدقى" و سألنى أحدهم مرة : 
        -هو "صدقى" أد إيه؟ يعنى هو إللى يغلب و لا الواد "عبد الهادى" لو نزلوا لبعض عصا. 
        -فرد عليه آخر: "عبد الهادى" مين يا عم، ده "صدقى" يغلب مية زى "عبد الهادى" .... لكن مش فى لعب العصاية.
و سألنى واحد من أصدقائى: -يعنى "صدقى" ده يقدر ياكل عشرين رغيف كده.... و يشرب جرة ماية.
و سألنى واحد من أصدقائي أيضاً عن الدستور الذى هتفنا له مع الكبار ... و لماذا يموت الناس من أجل الدستور؟... و لكنى عجزت عن الإجابة.... و قلت له أن الكبار هم الذين يعرفون ، فحدثنى زميل عن فلاحين سُجنوا و ضُربوا فى المركز من أجل الدستور ، و عن "الشيخ حسونة" ناظر المدرسة فى القرية المجاورة و كيف نقلوه إلى بلد فى آخر الدنيا من أجل الدستور.
و اقترب ولد آخر من أذنى و همس: 
                       -عم "محمد أبو سويلم" شيخ الخفر، والد "صفية" ... فصلوه من وظيفته جرائر الدستور. 
و سألته عن السبب فقال: .... أصل القرية رفضت تدى "صدقى" أصواتها فى الانتخابات... و رفضت حزب الشعب بتاعه... فالمأمور طلب من عم "محمد أبو سويلم" انه يسوق الناس بالعافية، فرفض عم "محمد أبو سويلم" و أخدنى الولد من يدى و ابتعد بى عن دكان "الشيخ يوسف" ليقول لى:
                     -الشيخ يوسف كمان نزعوا منه ملكية نصف فدان....
لقد تكلم أصدقائي كثيراً عن الدستور.... و قالوا كلاماً لم أكن أعرفه أنا الذى أشتركت فى المظاهرات. لقد شعرت باحترام كبير للشيخ "حسونة" الذى كان ناظر مدرسة قريتنا الأولية، و شعرت بإشفاق نحو الشيخ "يوسف" و عم "محمد أبو سويلم" ... و عرفت ان عم "محمد أبو سويلم" يعمل الآن بنفسه فى نصف الفدان الباقى ، و قد طلب "وصيفة" من البندر لتساعده فى الزراعة....
عادت "وصيفة" إلى القرية من عند أختها ... هبطت القرية بجلباب ملون كبنات البندر، كانت تلبسه و تذهب به إلى الحقل و تعود من الحقل لتملأ جرتها  فى الغروب من الترعة.                                              البقية الخميس القادم


انتقل الي العدد التالي من هنا : العدد 243


إرسال تعليق

0 تعليقات