العدد 170 من مجلة ميكي بتاريخ يوليو 1964

العدد 170 من مجلة ميكي الصادر بتاريخ : 23 يوليو 1964 م

طفولة أسعد 

سألت نفسي أي الطفولتين أسعد .. 

طفولتنا نحن الكبار منذ عشر سنوات ام طفولة ابنائنا الان ؟ 

و رغم اعتزاز كل جيل بذكرياته و سنينه التي شب فيها ، الا أنني انتهيت الى نفس الحكم الذي تمسك به و أعلنه في كل مناسبة الفيلسوف المصري الكبير المرحوم (( احمد لطفي السيد )) ، و هو ان الجيل الجديد – و كل جيل جديد – خير من الجيل القديم .. و مع الخير تأتي السعادة . 

و الواقع ان هذه سنة الحياة و طبيعة التطور و التقدم و شهادة التاريخ . 

الدنيا هكذا ، و هكذا ارادها الله ، و خلق في نفوس الناس ارادات متزايدة ليغيروا و جه الوجود و يداووه و يجملوه ، و ليبلغ الانسان غايته ، و لتأخذ الارض زخرفها . 

ان جيل الثورة وجيل السد العالي ، هو بغير شك احسن حالا و اسعد من اجيال غابرة نامت او غفلت او عذبت و ذاقت الوانا من الشقاء و الحرمان ، و كل المعاني التي قامت الثورة في سبيل تنقية الجو المصري منها وتحريره لتكون هي و الجيل الذي ينشأ في كتفها و رعايتها على موعد مع القدر . 

حتى معاني الاعياد نفسها قد تغيرت .. خذوا مثلا .. هذا العيد العظيم الذي نحتفل به اليوم .. عيد 23 يوليو.. عيد 12 سنه على ثورتنا المجيدة . 

كنا على ايامنا – و نحن صغار – نشهد الزينات و أقواس النصر و الالعاب النارية و نسأل فيقال لنا .. هو عيد  جلوس (( الملك فؤاد )). ثم من بعده تقوم الدنيا و تقعد و يقال لنا افرحوا بعيد ميلاد (( الملك فاروق )) او بعيد زواجه او عيد جلوسة . 

و ماذا وراء هذا كله ؟ لا شئ . لم تكن هناك اعياد توحى ، و لم يكن هناك واقع يسر . فليس غريبا اذن الا تكون الفرحة صادرة من اعماق القلب و تمضي لا نشعر بها . 

أما اليوم فالعيد هو العيد فعلا ، و أقواس النصر تعني نصرا رأيناه و لمسناه بايدينا و عشناه عاما بعد عام طوال 12 سنة انشأت لبلادنا عالما جديدا رحيبا و سعيدا .. انه عيد ميلاد مصر الجديدة ، عيد يخص كل واحد منا و لا ينفرد به واحد بذاته  .. انه عيد الثورة التي اسعدت كل طفل و كل رجل و كل امرأة . 

ألم أقل لكم ان طفولتكم أسعد و أعمق و أرحب ؟ . 

 
مصطفى بهجت بدوي 

العضو المنتدب بمؤسسة دار الهلال 



صديقي القارئ  

اهنئك .. اهنئك بمرور اثنى عشر عاما على ثورتنا المباركة , الثورة العظيمة ، التي لم تؤثر في تاريخ مصر فقط ، و لكنها أثرت في تاريخ العالم كله ..  

ولعلك قرأت يا صديقي عن ثورات تقوم كل يوم .. و لكنها لا تتم ولا تنجح ، فليس المهم ان تقوم ثورة ، ولكن المهم ان تنجح هذه الثورة .. و قليل من الثورات في العالم نجحت .. و غيرت في التاريخ .. و من هذه الثورات الخطيرة ثورتنا العظيمة .. 

و لكن ! لماذا نجحت هذه الثورة ؟ لان هناك مبادئ اساسية يجب ان تتوفر في قائدها .. هي الاحساس .. و الايمان .. و الارادة .. كان الرئيس شديد الحساسية منذ طفولته ، كان يحس و يشعر بآلام الشعب ... 

و بالاستعمار .. و بالظلم .. و تبلور احساسه بهذه الآلآم في أمنية ضخمة .. هي أن يحرر هذه الامة .. 

و كل امنية تحتاج في تحقيقها الى الارادة .. و كانت ارادته أقوي من الصخر .. من الاستعمار .. و اثبت بارادته انه لا شيء مستحيل .. و ان الاماني مهما كبرت فمن الممكن ان تتحقق ، و قد تحققت امنيته بالارادة و بالايمان .. كان مؤمنا بهدفه .. مؤمنا بوطنه و بشعبه .. و تجمعت الارادة مع الاحساس .. مع الايمان .. و تحققت المعجزة .. المستحيل اصبح واقعا .. الاحلام .. الاماني .. كلها تحققت . 

ان (( جمال عبد الناصر )) المثل الذي يثبت ان كلمة المستحيل لا وجود لها .. و انه مادام هناك ايمان ومادامت الارادة قوية .. فكل شئ ممكن .. 

و كل أمنية صغيرة أو كبيرة يستطيع الشخص القوي ان يحققها بارادته و بايمانه بما يريد .. 

تحية الى (( جمال عبد الناصر )) .. الرجل صاحب الايمان و الاحساس و الارادة في عيد الثورة الثاني عشر .. و تحية للشعب العربي الذي آمن بجمال .. و تحية للثورة العظيمة التي تسير نحو مستقبل مشرق .. تسير بسرعة تفوق سرعة العصر الذي نعيش فيه .. سرعة عصر الصواريخ . 


العدد بصيغة CBR & PDF


غلاف مجلة ميكي الجمهورية العربية المتحدة موضوع شامل عن مصر و سوريا


سيتم اضافة رابط تحميل pdf قريبا للعدد

للتحميل اضغط هنا

القصص في العدد :


 

صور من حياة الرئيس ! 

جلست العائلة حول المائدة الصغيرة ، و كانوا الجميع يأكلون ما عدا الابن الاصغر .. الذي امتنع عن الطعام .. و عندما سأله والده عن السبب فوجي به يقول : لماذا نأكل نحن و يجوع باقي الناس ؟ .. فلم يكن يتصور ان يتطرق هذا السؤال الى ذهن الطفل الصغير الذي لم يتعد الثماني سنوات .. و قال له : (( غدا ستعرف يا ولدي )) .. 

كان في الثامنة من عمره ، عندما بدء يسأل والده عن معنى الاستعمار .. 

و بدأ نشاطه الوطني يزداد في المدرسة الثانوية .. و بدأ يعقد الاجتماعات للطلبة و أصبح زعيما لهم .. 


لم يكن هذا الطفل الصغير الا (( جمال عبد الناصر )) .. و ظل السؤال يتردد في عقله .. يريد ان يعرف الاجابة عنه .. و يتسأل غدا سأعرف ؟ متى .. ؟  

و لم يطل انتظاره . فقد سافر الى العاصمه ليتلقى تعليمه .. و هناك اشتدت به الوحده و كثرت عليه الاسأله .. و بدأ تفكيره يزداد ، و تأمله يكثر .. و مرت الايام .. و كانت تصرفات الصغير تسبق عمره .. يحاول ان يتحمل مسئولية نفسه ، و لا يكلف احدا اعمالا تخصه .. و انتقل الاب الى الاسكندرية و انتقل معه (( جمال )) .. و في نفس العام عام 1930 .. قامت المظاهرات احتجاجا على الغاء دستور 1923 . 

و طافت المظاهرات بالقاهرة و الاسكندرية .. و خرج جمال على رأس مظاهره من تلاميذ المدارس الابتدائية .. يهتف (( تحيا مصر ))  

و كأنما كان الاستعمار يعرف ما سيلاقيه على يد هذا البطل فيما بعد ، فامتدت يد جندي بريطاني بعصا ضخمه على رأسه سال بعدها دمه حتى غطا و حهه ، فأخرج منديله و ربط الجرح .. و واصل هتافه (( تحيا مصر )) .. 

و في هذا اليوم عرف الاجابة عن سؤاله .. لقد كان سبب الفقر و الجوع في البلد .. هو الاستعمار .. و كانت هذه الضربه الاولى التي نالها  من الاستعمار، و فجرت ثورته و وطنيته و ايمانه بمصر . 

و التحق (( جمال )) بالمدرسة الثانوية .. و لم تهدأ ثورته على الاستعمار .. كان لا ينقطع عن الاجتماع بزملائه .. و الحديث في السياسة .. و لم يمض وقت طويل حتى اصبح زعيم الطلبة .. و بدأ نشاطه بالمجلات المدرسية .. و أخذ يكتب فيها عن الحرية ..و الوطنية .. و بدأ كتاباته بمقال عن (( فولتير )) رجل الحرية و اصبح عضوا في هيئة تحرير كل المجلات المدرسية .. في المدارس التي التحق بها ..  

و بدأت المظاهرات تجتاح البلاد .. و على رأسة طلبة المدارس الثانوية و قف (( جمال عبد الناصر ))  

في احدى المظاهرات اتفق مندوب المدارس الثانوية – جمال عبد الناصر – مع مندوب الجامعة على الاجتماع في ميدان الاسماعيلية (( التحرير الان )) للقيام بمظاهرة ضخمة ..  و وقف جمال يخطب في جموع الطلبة .. و اذا بقوات الشرطة تتجمع حولهم و بدأ الضرب .. ولكن جمال لم يتزحزح من مكانه و ظل يطلب من الطلبة الصمود . حتى وقف الجميع .. و لم يجد البوليس طريقة الا الانسحاب ، و واصل الطلبة بقيادة (( جمال )) مظاهرتهم الضخمة . و مر العام الدراسي و نجح جمال في اتمام الدراسة الثانوية ، و بدأ اماله تتركز في الالتحاق بالكلية الحربية ، و قدم أوراقه ثلاث مرات ، و رفض طلبه و سقط في كشف الهيئة .. سقط لانه (( فلاح )) من بني مر .. و لانه بدون واسطة .. و لانه وطني  و تقدم (( جمال )) الى كلية الحقوق ..  و انتظم بها .. و بعد خمسة أشهر احتاجة الكلية الحربية الى طلبه جدد .. و رأى ان يجرب حظه مره أخيرة .. و نجح هذه المرة .. 

و مرت السنوات .. و تخرج (( جمال )) و اشترك في حرب فلسطين و تعرف على ضباط يشاركونه ثورته و نظم صفوفهم .. و قامت منظمة الضباط الاحرار .. و في عام 1952 .. ا ستطاع (( جمال )) ان يحقق آماله .. و ثورته ووطنيته .. و يضرب الاستعمار و الرجعية .. و يقوم بثورة 23 يوليو المباركة !  

و في عام 1964 .. بنينا السد .. و أطلقنا الصواريخ .. و دخلنا عصر الفضاء .. تحية الى عبد الناصر ..  


الجمهورية العربية المتحدة 


هل تعرف المثل القديم الذي يقول "لا أحد يستطيع أن يضع الفيل في منديل"، أن هذا المثل صحيح ومع ذلك تعال نحاول نضع الفيل في المنديل، أقصد أن مكتب قصة الشعب العربي في الجمهورية العربية المتحدة. 

إنك إذا نظرت إلى خريطة الجمهورية العربية المتحدة، وجدت أنها تشبه لوحة رسمها فنان عظيم لنخلة باللون الأخضر على أرضية صفراء بلون الرمال، والنخلة هي النيل، ساقها طويلة تبدأ من أسوان وتنتهي في القاهرة، ثم بتفرع سعف النخلة، في الدلتا إلى شاطئ البحر المتوسط، وتحيط الصحراء بالنيل من الجانبين. 

وعلى ساق النخلة مدن عظيمة، في أقصى الجنوب أضخم سد في العالم، والذي بمياهه ستزرع البلاد مليون فدان في الصحراء، وتحول 700 ألف فدان من ري الحياض إلى الري الدائم لتزرع أكثر من مرة في العام، وتولد طاقة كهربائية تدير مئات المصانع. 

وجنوبي أسوان كان يعيش شعب النوبة، أقدم شعوب الأرض بعاداته وتقاليده، حيث الرجال السمر الطوال القامة والمنازل ذات الأبواب المزركشة واللهجة النوبية التي لا يفهمها سوى النوبيين، والأغاني الرقيقة التي تتحدث عن القمر والليل، والرجال الذين هاجروا إلى القاهرة للعمل. 

لقد بنت الحكومة لشعب النوبة مدنًا جديدة، لأن أرضهم ستغرقها مياة بحيرة ناصر التي ستتكون من السد العالي ومساحتها 5 آلاف كيلو متر مربع. 

فإذا غادرنا "أسوان" شمالًا ففي إمكانك أن تركب الطائرة إلى القاهرة فتصلها في ساعتيم فقط، أو تركب القطار فتصل في 30 ساعة تقريبًا. 

لكن قبل أن نغادر أرض النوبة لآخر مرة سنمر بالمعابد التي بناها الفراعنة، أن الموجود منها الآن حوالي 17 معبدًا، أشهرها كلابشه، وأبو سمبل. 

أقدم حضارة 

هذه المعابد تروي قصة أول حضارة إنسانية ظهرت في العالم، حيث كان الفراعنة يزرعون القمح والذرة، ويربون المعز والمشاية، ويستأنسون القردة ويصطادون السمك. 

لقد كان الفراعنة من أعظم المهندسين، أبرع من اليونان والرمان، ولا يتفوق عليهم غير مهندسي القرن العشرين. 

تعال الآن نركب القطار من أسوان فنمر سريعًا بعواصم المحافظات فإذا وصلنا "الأقصر" نقوم بجولة في معبد الكرنك الذي بناه نحو 50 فرعونًا، وكان به ذات يوم 86000 تمثال. 

ونعود إلى القطار لنصل إلى القاهرة أضخم عواصم أفريقيا والشرق. 

القاهرة  

نحن في القاهرة، المدينة ذات الألف مئذنة، حيث يعيش نحو 4 ملايين إنسان، يعملون في مئات المصانع والشركات والمصالح والوزارات، وبينهم الطلبة الذين يذهبون إلى الجامعات المدارس. 

وفي شوارع القاهرة يسير كل يوم 1000 أتوبيس، 45 ألف سيارة خاصة، و 6 آلاف تاكسي، عجا الترام والتروللي باس، وتطير من القاهرة كل يوم 40 طائرة إلى جميع أنحاء العالم. 

والقاهرة مدينة غريبة تستطيع إذا مررت بشوارعها أن تعرف قصتها، تستطيع أن تشاهد مباني من الطراز الفرعوني والإسلامي والأوروبي، وتستطيع أن تقابل الزائرين من جميع أنحاء العالم حيث يأتي نحو نصف مليون سائح، ومن أشهر معالم العاصمة المساجد، مثل مسجد السيدة زينب، والحسين والإمام الشافعي، وتستطيع أن تشاهد مشهدًا رائعًا للقاهرة في القلعة، التي أقيمت في مكان يسمى قديمًا قبة الهواء، أعلى مكان في القاهرة، وتستطيع أن تشهد القاهرة من أعلى مبنى فيها وهو "برج القاهرة" المشيد من الاسمنت والحديد. 

وقبل أن نغادر القاهرة أحب أن نزور معًا ثلاثة أماكن هامة، الأزهر الشريف، أقدم جامعة في العالم، وعمره يقترب من ألف سنة حيث تدرس علوم الدين بجانب الهندسة والطب والزراعة وفي الأزهر تستطيع أن تلتقي بطلبة من جميع أنحاء العالم. 

المكان الثاني هو المتحف المصري، حيث يعيش التاريخ ممثلًا في أعظم مجموعة أثرية في العالم، ومن أهم الأثار هناك، أثار الملك الفرعوني الشاب "توت عنخ أمون" وهي من الذهب الخالص ومرصعة بالأحجار الكريمة، ومن الطريف أن مليونير أمريكيا عرض شراء أثار توت عنخ أمون مقابل 20 مليون دولار. 

المكان الثالث هو أهرام الجيزة الثلاثة، "خوفو، وخفرع، ومنقرع" وأشهرها هرم "خوفو" أضخم بناء حجري من العصر القديم والذي بني ليكون قبرًا "لخوفو"، ويتكون من مليونين ونصف مليون من الكتل الحجرية، التي يزيد وزن بعضها على 8 أطنان. 

وبجوار الأهرام "أبو الهول" تمثال ضخم برأس إنسان وجسم أسد وعمر 5000 عام. 

والأهرام وأبو الهول يتحدثان إليك ليلًا إذا دفعت 15 قرشًا لتشاهد عرض الصوت والضوء. 

الجمهورية العربية المتحدة 

لقد أخذت منا القاهرة وقتًا طويلًا، ويجب أن نغادرها، ولكن قبل هذا أحب أن تعرف أن القاهرة بدأ البناء فيها في 6 يوليو عام 969، أي أنها ستبلغ الألف عام بعد 5 أعوام. 

قناة السويس 

إذا ما اتجهنا شرقًا بالقطار وصلنا إلى مدينة السويس على ضفة قناة السويس الشهيرة. 

والقناة عمرها الآن 95 سنة، فقد انتهى حفرها وبدأت الملاحة فيها عام 1896 ومات أثناء حفرها من المصريين 13 ألف عامل. 

ويبلغ طول قناة السويس 163 كيلو مترًا، وعرض صفحة القناة بين160 و200 متر، وقد عمقت بحيث تسمح لمرور سفن غاطسها 38 قدمًا وهي تربط بين أربعة طرق بحرية عظيمة هي المحيطان الأطلسي والهندي، والبحران المتوسط والأحمر. 

ورغم أن القناة في أرض مصرية، وحفرت بأيد مصرية، فقد كانت تستغلها شركات أجنبية تأخذ منها 35 مليون جنيه كل سنة، تعطي مصر مليون جنيه فقط، وفي سنة 1956 عادت القناة إلى مصر، وأصبح دخلها الآن أكثر من 60 مليون جنيه سنويًا. 

ونتجه من السويس شمالًا فنصل إلى الإسماعيلية حيث مقر هيئة قناة السويس، ثم نغادرها إلى بورسعيد، تاني ميناء مصري على البحر المتوسط كما أنها مصيف جميل. 

العاصمة الثانية  

أما الميناء الأول في مصر فهو الإسكندرية، ونستطيع أن نصل إليها من القاهرة في قطر نحو ساعتين ونصف ساعة، ويسمون الإسكندرية عروس البحر المتوسط فشاطئها يمتاز بجماله، ونقاء مياهه، وتستطيع أن تقضي أجمل مصيف في بلاجات المنتزة والعجمي وشتانلي وغيرها. 

والإسكندرية بناها الإسكندر الأكبر عام 332 قبل الميلاد، وفي الإسكندرية يعيش نحو مليون ونصف إنسان على العمل في المصانع وصيد السمك. 

وقد شهدت الإسكندرية أول دخول الإنجليز إلى مصر، عندما ضرب الأسطول الإنجليزي الإسكندرية في 11 يوليو 1882، ثم دخلت الجيوش الإنجليزية مصر لتبقى فيها 74 عامًا حتى خرجت منها عام 1956. 

الوجه البحري 

ندخل الآن وسط الدلتا، حيث نقابل المدن الصناعية الكبرى في الجمهورية العربية المتحدة مثل المحلة الكبرى وغرب الدلتا حيث كفر الدوار وبهما نحو 56 مصنعًا وفيهما مئات الألوف من العمال. 

أكبر هذه المصانع يقوم بصناعة النسيج، وتشتهر بصناعة أرق وأمتن المنسوجات في العالم من القطن المصري الفاخر، وهذه المدن تصدر منتجاتها إلى أكثر من 60 دولة. 

بقية الرحلة 

لعلك قد تعبت من الرحلة الطويلة، ومع هذا فإننا لم نضع الفيل في المنديل بعد، فتعال معي أدعوك إلى كوب من الليمون في شرفة فندق سميراميس على النيل في القاهرة، وسأقول لك حقائ أخرى عن الجمهورية العربية مثلًا، في الجمهورية 4000 قرية بها 16 مليون فلاح وقد وصلت المياه النقية إلى معظم القرى تقريبًا. 

وفي الجمهورية نحو 4000 مصنع بين كبير ومتوسط وصغير، يعمل بها نحو مليون عامل، ولا يقل أجر العامل عن 25 قرشًا في اليوم. 

وفي الجمهورية العربية المتحدة خمسة جامعات هي القاهرة والإسكندرية وعين شمس وأسيوط وطنطا كما ستنشأ جامعة قريبًا في المنصورة، هذا عدا جامعة الأزهر. 

وعدد طلية المدارس 4 ملايين تلميذ، عدا طلبة الجامعات والمعاهد العليا وتبني الجمهورية مدرستين كل ثلاثة أيام، فالتعليم كله بالمجان وهناك مشروعات كبرى لاستصلاح الأراضي الصحراوية في وادي النطرون والوادي الجديد ومريوط، وقد كانت صحراء، فأصبح فيها 120 ألف فدان مزروعة. 

الصواريخ 

وبعد كلمات أخرى سريعة، الجمهورية العربية المتحدة فيها مدينة للذرة في أنشاص، وفيها مصانع تصنع كل شيء، سيارات وجرارات وثلاجات وأجهزة تليفزيون وراديو، كما تصنع الطائرات والصواريخ، وأخر خبر هو أن الجمهورية ستطلق قمرًا صناعيًا يدور حول الأرض فتكون ثالث دولة في العالم تطلق صاروخًا يحمل قمرًا. 

وهل وضعنا الفيل خارج المنديل، أبدًا، فما زال الجزء الأكبر من الفيل خارج المنديل، أقد أننا لم نقل كل شيء عن الجمهورية العربية وإلى اللقاء في وطن عربي أخر! 

الثورة تصنع مستقبلك! 


اثنا عشر عامًا مليئة بالكفاح، بالعرق، بالانتصارات، مرت كالحلم، منذ ليلة 23 يوليو 1952 حتى اليوم، حققنا في هذه الفترة الوجيزة معجزات، ما كانت تحدث لولا قيام الثورة المباركة ورئيسها العظيم "جمال عبد الناصر". 

ماذا فعلنا؟ فعلنا الكثير، الكثير، وهذه بعض الانتصارات التي حققناها، إنها ليست على سبيل الحصر، فإننا نعجز عن حصر كل هذه الأحداث، إنها جزء من أعمال عظيمة، تحققت في اثنى عشر عامًا، وانتهت مرحلة الثورة وبدأت مرحلة الانطلاق، ومازال أمامنا الكثير.. 

تحديد الملكية 

قضينا على الإقطاع، حققنا الاشتراكية للفلاح، أصبح يملك الأرض التي كان يرويها بعرقه، إنها أرضه الآن. 

الجلاء 

"على الاستعمار أن يحمل عصاه ويرحل"، ولم يكن أمامه إلا أن يرحل بعد أن وجد أمامه قوة وصلابة لم يكن يتوقعها! 

النهضة الفنية 

انتشرت النهضة الفنية والأدبية، وانتشرت الثقافة والوعي بين الجمهور، وأصبح عندنا عشرات المجلات الثقافية، والنماذج العظيمة. 

مجانية التعليم 

الشعب تساو في الحقوق كلها، وأصبح التعليم كله من حق الشعب، ابن العامل وابن الفلاح وابن الموظف جنبًا إلى جنب في مجانية التعليم. 

عصر الفضاء 

دخلنا عصر الف ضاء، وبدأت صواريخنا ترتفع في الجو، ونكمش الأعداء، وقد اصبحنا قوة لم يتوقعوها! 

التليفزيون 

دخل كل بيت، وأصبحت برامجه تنافس أقوى البرامج العالمية، وامتدت ساعات إرساله أكثر من معظم تليفزيونات العالم. 

تأميم القناة  

عادت قناتنا إلينا، وثار الاستعمار وزنجر واعتدى علينا، وانهزم، وعاد ذليلًا. 

حقوق المرأة  

نالت المرأة – نصف المجتمع- كل حقوقها، نالت حق الانتخاب والترشيح، ودخلت 5 من سيداتنا مجلس الأمة، وعينت أول وزيرة عربية – الدكتورة "حكمت أو زيد" وزيرة للشئون الاجتماعية. 

مجلس الأمة الذي قسم خمسين في المائة من أعضئه من الفلاحين والعمال، وأصبح أول مجلس أمة في التاريخ يمثل الشعب حق التمثيل! 

التصنيع 

ظللنا عمرًا طويلًا نعيش على أننا بلد ذراعي، والآن، وفي كل بقعة مصنع، وفي كل بيت انتاج من هذه المصانع، أصبحنا بلدًا صناعيًا وعندنا الآن أكثر من 700 مصنع. 

عدم الإنحياز 

قنبلة انفجرت فهزت العالم، الحياد، لم يتوقع العالم هذ المبدأ السلمي الجديد، ونجح المبدأ، وازداد أنصار الحياد الإيجابي وعدم الإنحياز، وعقد أكثر من مؤتمر لأقطاب الحياد الإيجابي. 

مؤتمر القمة العربية 

لن ننسى فلسطين، أنها القضية التي تشغل بال العرب جميعًا، وقد اجتمعت صفوف الشعوبة العربية للاتفاق على هذه المشكلة الحية، وعقد مؤتمر القمة العربي في أول هذا العام، وسيجتمع للمرة الثانية في شهر سبتمبر. 

السد العالي 

السد العظيم، السد الرائع، السد العالي، أنه الضربة القاضية على الفقر وعلى الجهل، السد الذي سيصنع غنا الحياة ويفيض بالخير والتقدم. 

 

 شباب أبطال! 


صفحة ذكرى وتحية إلى هؤلاء الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل حرية بلادنا، تحية إليهم وإلى كل شهداء في معارك حربية في كل مكان. 

بطل لن يموت 

كان "نبيل منصور" يرى جيش الاحتلال الإنجليزي في منطقة القتال أيام العدوان الثلاثي، فيشعر بالحزن، والغيظ، وفي مساء يوم أعد "نبيل" بعض الخرق القديمة، ولفها كالكور، ثم سكب عليها بعض الغاز وأحضر علبة كبريت، ثم حمل كل هذا وخرج، وأخذ "نبيل" طريقه إلى المعسكرات الإنجليزية، وما أن أظلم المكان حتى كان "نبيل" يزحف داخلًا من تحت الأسلاك، إلى الخيام المنتشرة داخل المعسكر، ثم أشعل أول كرة، وقذفها بعيدًا وسط الخيام، واتبعها بالثانية والثالثة حتى انتهت الكور كلها، لكنه أحس أن هذا لا يكفي، فخلع قميصه ومزقه قطعًا، ثم لفه كالكرة أيضًا، وأشعل فيه النار، ولم يستغرق كل هذا وقتًا طويلًا، حتى كان المعسكر كله قد اشتعل، ونظر "نبيل" إلى ما حدث، وأحس بسعادة عميقة، ثم زحف متسللًا ليعود، وما أن أصبح خارج الأسلاك التي تحيط بالمعسكر، حتى وقف وأطلق ساقيه للريح ولكن النار المشتعلة، كانت تيء المكان، ورآه أحد جنود الاحتلال، فصوب بندقيته إليه، ثم أطلق الرصاص، وسقط "نبيل" البطل شهيدًا، وضرب بشجاعته هذه مثلًا رائعًا لكل الذين يدافعون عن أوطانهم. 

لن استسلم  

صدرت الأوامر لقائد الفرقاطة "دمياط" وهي مدمرة صغيرة بأن تتجه من ميناء الأدبية في السويس، إلى البحر الأحمر، لتأخذ ثوبة حراستها، وبسرعة كان البطل "محمد شاكر حسين" قائد ال"الفرقاطة" يأخذ طريقه إلى البحر الأحمر، وقرب العقبة، رأى البطل أن بعض قطع من أسطول العدو تسير بمحاذاته تمامًا، ثم أخذت تقترب منه، وأعطته إشارة بالتسليم، ولكن عز على البطل أن يسلم، وبسرعة أدار دافة الفرقاطة، واتجه إلى أكبر المدمرات، وأخذ يقترب ومدافع العدو تنصب عليه، فلم يخف، واقترب أكثر، حتى كان على المرمي الصيحيح لإطلاق النيران، ثم فتح مدفعه الوحيد السليم على المدمرة، فأصابها إصابات بالغة، وأخذت تغوص في الماء وكانت فرقاطته قد أصيبت هي الأخرى إصابات كثيرة، وأخذت تغرق، ومازالت قنابل العدو تنول فوقها كالمطر. 

واستشهد البطل "محمد شاكر حسين" من أجل بلده، ودون أن يسلم، أو يرفع يديه، أمام عدو خائن، يريد أن يسلب حريتنا. 

أن التاريخ سيظل يذكر أبطالنا، ويفخر بهم، لأنهم كانوا أبطالًا في الدفاع عن الحرية، ولم يكونوا كسارقي الحريات، الذين يشعلون الحروب من أجل مكاسبهم. 

بطولة عربية  

إن اسم "جول جمال"، واسم "جلال دسوقي" سيظلان إلى الأبد دليلًا قويًا على التضامن العربي، والتضحية والفداء "فجول جمال" سوري حضر إلى الإسكندرية ليلتحق بالكلية الحربية، و "جلال دسوقي" مصري وضابط بحري هو الأخر، جمعتهما معًا معركة مشهورة، هي معركة "البرلس" فقد علمت البحرية المصرية أن بعض قطع من أسطول العدو تحاول أن تقترب من الشواطئ المصرية عند "البرلس" بالقرب من فرع رشيد، وعلى ساحل بحيرة البرلس تمامًا، وبسرعة صدرت الأوامر إلى الزاروق لا يتم ألا في الليل حتى لا تظهر الزوارق. 

فإن الموقعة حدثت في وضع النهار، فقد قرر "جول جمال" و "جلال دسوقي" أن يقوما بمغامرة، فقد كانت المدمرة الفرنسية "جان بارت" التي تعتبر أكبر قطع الأسطول الفرنسي، تقترب من الساحل واندفع زورق "جول" و "جلال" ناحيتها، وفجأة، فتحت المدمرة مدافعها على الزورق، ولكن البطلين لم يتراجعا، بل اندفعا ناحيتها، وعندما أصبحا على مسافة تسمح لهما بالضرب، أطلقا طور بيدهما فأصاب المدمرة أصابة بالغة، وعندما بدأت تغرق، كان البطلان "جول" و "جمال" يعودان بزورقهما إلى الشاطئ، لكن طائرات العدو، كانت قد وصلت، فصبت نيران مدافعها الرشاشة على زورق البطلين. 

كانت لحظة رهيبة، فقد أصابت القذائق الزورق، وأصابت البطلين، واستشهدا في مياه البحر المتوسط، أمام الساحل المصري، بعد أن أديا واجبهما، وبعد أن ضربا مثلًا للتضامن العربي. 

مذكرات.. بدم الشهيد 

أما "جواد حسني" فقد قام هو الآخر بدور عظيم، ان "جواد" من أوائل المتطوعين في كتائب الفدائيين، وترك دراسته في كلية الحقوق، ومضى إلى سيناء يدافع عن الوطن، وعاد الجيش من سيناء ومعه "جواد" لنضم إلى الفدائيين الشعب والجيش في بورسعيد، والتحم "جواد" بمفرده مع كتيبة من القوات الفرنيسة، وبعد أن أصابها بخسائر فادحة، استطاعت أن تأسر "جواد" قرب العريش ثم ألقوا به في السجن، بعد أن عذبوه عذابًا شديدًا، وذات يوم و "جواد" في السجن، ذهب إليه القائد الفرنسي، يسأله عن بعض الأسرار العسكرية، ورفض "جواد" في شجاعة ووطنية أن يقول شيئًا، برغم تهديد القائد له، فما كان من القائد إلا أن صفع "جواد" على وجهه، لكن "جواد" البطل، لك يتحمل الإهانة، فرد له الصفعة، بصفعة مثلها، وازداد تعذيب الفرنسيين له، ثم ألقوه في سجن انفرادي، بلا طعام أو ماء، وفي السجن أخذ "جواد" يكتب مذكراته على الحائط، بدمه الذي كان ينزفه، وما زالت الأحجار التي كتب عليها "جواد" مذكراته موجودة في المتحف المسمى باسمه، وأخيرًا يئس الفرنسيون منه، فأخرجوه من السجن، وأظهروا له أنهم تركوه ليعود غلى بلده، ولكن ما أن سار "جواد" بخطوات قليلة، حتى انهالت عليه المدافع الرشاشة الفرنسية، فسقط  شهيدًا. 


جيل الثورة يتحدث 


أريد أن أرى علم الجمهورية العربية المتحدة يرفرف على أعلى ناطحة سحاب في العالم مبنية على أرضنا وبأيد مصرية  

أيمن عبد الحميد 

كانت مفاجأة، بل أكثر من مفاجأة، فعندما قررنا أن نقيم هذه الندوة، ليتناقش الجيل الجديد في السياسية، لم نكن ننتظر هذا الوعي الكامل من جيلنا الصغير  العزيز، كان وعيًا أكثر من عظيم. 

وكان السؤال الأول الذي دارت حوله المناقشة الأولى 

 ما هي أهم ثلاثة أعمال في رأيك قامت بها الثورة؟ 

وكان العمل العظيم الذي نال كل الأصوات بدون استثناء عن السد العالي، ثم اختلفت الآراء، من رأي "أيمن عبد الحميد توفيق" أنها توزيع الأراضي على الفلاحين.. والأرباح على العامل لأننا بذلك نحقق الاشتراكية، ثم مجلس الأمة وبذلك حققنا الديمقراطية، وهذه من أعظم الأعمال التي عشناها. 

وقالت نادية إسماعيل: 

أن تأميم شركة قناة السويس عمل ثوري عظيم، فقد استطعنا أن نهزم الاستعمار وأن نحطمه، وأن نبني بعد ذلك السد العالي واتفق مع "نادية" في رأيها: 

سيد عطية، ليلي شومان، أحمد حسين، محمد نجيب، محمد رفهت شعبان: 

ووقف "سعد سكعان" ليذكرننا بعمل هام، وهو مجانية التعليم، وقال أنها في نظره من أهم أعمال الثورة! 

وقامت "فايزة شهاب" لتعلن أن أهم عمل هذا العام عن مؤتمر القمة.. وتساءلت في دهشة: 

كيف ننساه وهو في رأيها خطوة كبيرة نحو تحقيق الوحدة الكبرى.. 

وأخيرًا تم الاتفاق بين أعضاء الندوة على أن أعمال الثورة كثيرة وعديدة ولا يمكن أن نحصرها بسهولة. 

وكان السؤال الثاني: 

ما هي الاشتراكية؟ 

قال "سعد سمعان" : 

إزالة الفوارق بين طبقات الشعب. 

وقالت "سلوى النشار": 

أنها نقل الملكية الخاصة إلى العامة، وإزالة الفوارق بين الطبقات. 

وقال "محمد التهامي" متممًا: 

هي اشتراكية الشعب كله في الانتفاع بموارد البلاد، وهي قد تحققت ببساطة في منح الأراضي للفلاح، وفي منح العامل الأرباح، وفي تأميم الشركات والمؤسسات الفردية الضخمة. 

وكان أولياء الأمور الذين حضروا الندوة ينظرون إلى أبنائهم في فخر. 

اشتركت في الندوة  

مدرسة الأورمان 

مدرسة قصر النيل 

مدرسة الترعة البولاقية 

مدرسة السنية الثانوية 

  

الفدائي الصغير ! 

بقلم : حلمي سالم  

كان موعد اللقاء هذا المساء ، و المكان في منزل المعلم (( سعدون )) ريس البوغاز في بورسعيد ، المنزل هادئ مظلم و لا تستطيع ان تسمع فيه حديثا ولا همسا ، و كان المعلم سعدون يجلس في الحجرة المطلة على الشارع ، خلف النافذة ، يرقب الدوريات الانجليزية التي تمر بين لحظة و أخرى ، و صوت اقدامها و هو يبدد السكون الذي يشمل الشوارع و البيوت اثناء العدوان . و في الحجرة المجاورة لحجرة المعلم  (( سعدون )) كانت ترقد زوجته و اولاده الثلاثة ، و أكبرهم (( حسونة )) الذي يبلغ من العمر عشر سنوات ، و كانت الزوجة تريد ان ينام الاولاد مبكرين ، لانها تعلم ان اجتماع الليلة اجتماع خطير ، و المعلم (( سعدون )) لا يريد ان يعلم به احد ، لكن (( حسونة )) كان يفتح عينية بين لحظة و اخرى ، ليرى ان كانت والدته استغرقت في النوم ام لا . 

و بعد دقائق ، سمع (( حسونة )) و قع اقدام تقترب من باب شقتهم ، و أحس بالخوف ، لابد انهم الانجليز جاءوا يفتشون منزلهم ، كمت فتشوه من قبل ، و كما فتشوا كل البيوت المجاورة . و فجأة توقف صوت الاقدام ، و سمع دقا خفيفا فتذكر ان هذا الدق يسمعه كل ليلة على باب شقتهم ، و يكون دائما هو و أمه و اخوته نائمين ، كانت هذه الدقات تثير  ((حسونة )) ، حتى أنه هذه الليلة أصر على أن يعرف من الذي يدق . 

فتسلل في هدوء مبتعدا عن أمه النائمة ، و أخوته ، ثم فتح الباب بهدوء ، فرأى مجموعة من الرجال لم يعرفهم في الظلام ، و اتجهوا فورا الى حجرة والده ، و حنى (( حسونه )) رأسه ونظر من ثقب المفتاح فراى والده و معه هذه المجموعه من الرجال ، و لم يستطع ايضا ان يميزهم ، فقد كانوا يجلسون في الظلام . و استطاع (( حسونة )) ان يسمع بعض كلماتهم ، فهز رأسه ، و عاد في هدوء الى غرفته ، و استلقى بجوار أمه . 

 و فكر (( حسونة )) . قال في نفسه : (( اذن فسيخرجون الليلة ، و يعبرون القناة الى الضفة الاخرى في قارب صغير و سيقومون بنسف معسكرات الانجليز ، و لم يستطع (( حسونه )) الصغير أن ينام ،لقد كان ينتظر الموعد . و موعدهم منتصف الليل تماما ، سيخرجون من منزلهم الى القناة ليعبروها ، و انتصف الليل ، و سمع (( حسونة أقدام الرجال تبتعد ، ثم سمع باب الشقة و هو يغلق ، كل شئ كان يحدث في هدوء ، و في هدوء ايضا ، تسلل  (( حسونة )) من مكانه ، و تتبع .. الرجال . 

رأهم في الشوارع يسيرون بجوار المنازل ، كانوا كالاشباح يقفزون ، و ينظرون خلفهم كثيرا ، و ظل (( حسونة )) يتبعهم حتى أصبحوا بجوار القناة ، و فكر : هل ينادي والده ، ويقول له انني اريد ان اذهب معكم لأنسف معسكرات الانجليز ؟ ولكن .. ربما سمع صوته احد ، فيطلق الرصاص علي .. ابيه ، و على الرجال . 

هل يقترب منهم حتى يروه ، و ساعتها لن يتكلموا و سيأخذوه معهم ؟ و أحتار (( حسونة )) ماذا يفعل . و فجأة .. لمح بعض العساكر الانجليز يقتربون من القناة بينما كان القارب الذي ينقل اباه والرجال يبتعد عن ضفة القناة القريبة ، الى الضفة الاخرى . و خشى         (( حسونه )) أن يرى العساكر القارب . و قال في نفسه : (( هذه هي فرصتي ،لا بد ان انقذ ابي و الرجال ، حتى يتمكنوا من نسف المعسكرات ، لأن العساكر لو رأوهم سيطلقون عليهم الرصاص و يعرفون الطريق الذي يتبعه أبي ))   

و جرى (( حسونة )) الى وسط الشارع ، ثم أخذ يصدر أصواتا متقطعة ، و يدب الارض برجلية ثم ينتقل الى مكان آخر ، و يصدر نفس الاصوات ، و يدب برجلية . حتى ظن العساكر الانجليز كتيبة كاملة من المصريين ، تزحف ناحيتهم . و انطلق العساكر الانجليز يطلقون النار في اتجاه الاصوات  ، و لكن (( حسونة )) كان قد قفز الى جانب الطريق ، بينما القارب يبتعد عن الضفة القريبة دون ان يراه احد . و أصابت رصاصة طائشة ذراع (( حسونة )) فوقع على الارض ، لكنه اخذ يزحف حتى اصبح بجوار حائط أحد المنازل ، و كانت ذراعه تؤلمه آلما شديدا ، و لكنه تحمل ألمه بشجاعة ، و قوة . و بعد لحظات كان العساكر قد اقتربوا من مكانه يصيحون ويطلقون الرصاص ، و يبحثون عن مصدر الصوت ، الا ان (( حسونة )) كان مختفيا بجوار الحائط ، دون ان يصدر اي صوت او همس فلم يروه ، و مضت ساعة ، و ذراع (( حسونة )) تنزاف الدم بغزارة حتى ان قواه خارت ، فاستلقى على الارض بلا حراك ، و لم يعد يشعر بشئ . 

و فجأة احس ان الارض تهتز ، ففتح عينيه في صعوبة ، و نظر امامه ، فرأى النار في الضفة البعيد ترتفع ، و ترتفع ، و تنشر في مساحة كبيرة فرفع ذراعه السليمة بصعوبة ، و وضع يده فوق الجرح الذي بدأ نزيفه يتوقف ثم ابتسم . 

مضت نصف ساعه اخرى و (( حسونة )) مازال مكانه ، ينظر الى النار المشتعلة في سعادة ، لانه كان سببا فيها ، فلولاه ، لرأى الانجليز القارب . وفتلوا أباه و الرجال . و بعد لحظات ، سمع و قع أقدام تقترب ، و رأى رجالا كثيرين يزحفون على الارض ، و مر واحد منهم بجواره ، عرف فيه عم (( مسعد )) جارهم ، فناداه بصوت ضعيف ، و كان عم (( مسعد )) اول الرجال الذين وصلوا ، والتف الرجال حول (( حسونة )) و الماء يتصبب من ملابسهم ، فقد عادوا سباحة خوفا من ان يراهم احد ، لان النار كانت تضئ سطح مياة القناة ، و نقله الرجال الى منزله ، و هناك نظر اليه والده في غضب ، لكن (( حسونة )) حكى له ما حدث ، فاحتضن المعلم (( سعدون )) ولده (( حسونة )) و انهال عليه بالقبلات . لقد كان يحس ان ابنه الصغير (( حسونة ))رجلا ككل الفدائيين ، لكنه فدائي صغير . 

إرسال تعليق

0 تعليقات