الأميرة وردة
كان ياما كان فى سالف العصر و الاأوان... ملك طيب و عادل يحكم مملكة واسعة، و معه زوجته الحبيبة و ابنة وحيدة، منحها الله الجمال و الطيبة و الخلق الجميل. كانت حلوة و متفتحة حتى أطلق عليها الشعب "الأميرة وردة". و لكن السعادة لا تدوم، ففى يومٍ حزين، ماتت زوجة الملك، و حزن عليها زوجها حزناً شديداً، حتى أغلق على نفسه حجرته و جلس وحيداً، و لكن إمرأة أخرى حزينة أيضاً، أستطاعت أن تخرجه من أحزانه، عندما وصلت و جلست تبكى بجواره... و لم يتحمل الملك الطيب أحزانها، فأخذ يسرى عنها، ثم خرج إلى شعبه، و مرت الأيام، و تزوج من السيدة الحزينة، و كانت هى الأخرى لها ابنة وحيدة، و لكنها للأسف، كانت قبيحة الشكل و الخلق أيضاً، فلم يحبها أحد... و أطلقوا عليها اسم الأميرة "ضفدوعة". فقد كانت فى الحقيقة تشبه الضفدعة.
عندما ظهرت الأميرة "ضفدوعة" بجوار الأميرة "وردة"، تهامس الناس كلهم ان أميرتهم "وردة" أجمل من "ضفدوعة" ألف مرة... و بالرغم من أن الملكة تعتقد أن ابنتها أجمل فتاة فى العالم، فقد شعرت بالغيرة من الأميرة "وردة"... و بدأت تعاملها معاملة سيئة، فاشترت الجواهر و الملابس لابنتها و حرمت منها "وردة"... و لم تكتف بهذا بل و قررت أن تزوج الأميرتين، و أعلنت قرارها للملك الطيب الذى وافق فى الحال...
و هكذا دعت الأمير "شمس"، ملك المقاطعة المجاورة لزيارتهم، لكى تزوجه لابنتها، و فى يوم الاستقبال، ارتدت "ضفدوعة" أجمل الملابس و المجوهرات، وبقيت "وردة" فى ملابسها القديمة... حتى أنها أضطرت لأن تختفى وراء أحد الأعمدة... و عندما رأى الأمير الجميل "شمس" الأميرة "ضفدوعة"... أشاح بوجهه عنها، و سأل الملك عن ابنته الثانية، فأشارت إليها "ضفدوعة" قائلة: "انها هذه الفتاة شكلاً و خلقاً".
نظر اليها "شمس" و صاح: يا آلهى انها أجمل فتاة رأيتها فى حياتى، و أسرع إليها يقبل يدها و قال: أميرتى الفاتنة، هل تتزوجينى...
و جُنَت الملكة و صاحت: لا، انها فتاة شريرة، لن تتزوج إلا ابنتى...
شعرت "وردة" بسعادة لا توصف، فقد كان الأمير شاباً جميلاً حلم كل فتاة، أما الملكة فقد قررت أن تبعدها عن طريق الأمير بأى طريقة، فطلبت من الخدم أن يسجنوها فى برج مهجور من القصر، و أحاطت الأمير بالرعاية و الرياء و النفاق، و لكنه كان قد وقع فى حب الأميرة "وردة"...
أخذ يبحث عنها فى كل مكان... و أخيراً سأل أحد خدم القصر، الذى قال له سآخذك اليها فى المساء... و أسرع الخادم إلى الملكة يخبرها بما يطلبه الأمير، فطلبت من الخادم أن يقوده فى ظلام الليل إلى نافذة حجرة الأميرة "ضفدوعة"... و عندما ساد الظلام، قاد الخائن الأمير إلى نافذة "ضفدوعة" و قال له انها نافذة الأميرة "وردة"... ناداها "شمس" و ردت عليه، و تصور أنها فعلاً "وردة" فقال لها يا أميرتى العزيزة، لن أتزوج أبداً إلا انتِ، أعطينى يدك لألبسك خاتمى... و غداً فى المساء سأحضر لأنقذك من هنا.
مدت "ضفدوعة" يدها، فالبسها "شمس" خاتمه... و قبل يدها ألف قبلة، و هو لا يعلم الحيلة التى دبرتها له امها.
فى صباح اليوم التالى أسرعت "ضفدوعة" إلى "وردة" فى سجنها، و أرتها خاتم الأمير "شمس"، و قالت لها أنهما سيتزوجان... و أما هى فستبقى فى سجنها إلى الأبد، و بكت الأميرة الجميلة حزناً على نفسها، فقد ضاعت كل أحلامها...
و فى المساء حضر الأمير "شمس" و معه علبة سحرية أعطاها له الجنى الطيب "مرلين" و فتحها فتحولت إلى عربة يقودها مجموعة من الضفادع. و نادى على الأميرة "وردة" لتخرج إليه... فخرجت "ضفدوعة" و قد وضعت على وجهها قناعاً أنيقاً، فأمسكها من يدها التى تحمل الخاتم، وقادها إلى عربته السحرية...
طلبت إليه فى صوت هامس أن يذهب بها إلى الجنية "سوزى" التى ترعاها، و فى الحال تحولت العربة إلى قصر الجنية...
أسرعت "ضفدوعة" بالنزول، و جرت إلى الجنية... التى أحتضنتها، و رفعت عن وجهها القناع... و صرخ الأمير "شمس" بعد أن عرف الحيلة. و أسرعت "ضفدوعة" تمسك به، و طلبت من الجنية أن تأمره بزواجها... رفض "شمس" الزواج منها، هددته الجنية بأنها ستحوله إلى طائر أزرق مدة سبع سنوات اذا لم يتزوج "ضفدوعة"، أصر على الرفض... فحولته الجنية إلى طائر ..
و فرد "شمس" أو الطائر الأزرق جناحيه، و طار عائداً إلى "وردة" ...
طار الطائر الأزرق و طار. و دار حول القصر مرات و مرات، و لكنه لم يعثر على أثر لأميرته الفاتنة، و فى ليلة من الليالي... لم يطاوعه النوم، فصعد إلى شجرة عالية... و إذا به يسمع بكاءاً حزيناً... و صوتاً يقول... حتى الأمير "شمس" تزوج "ضفدوعة" و تركنى، و فى الحال صرخ، و هو يصعد إلى النافذة التى أتى منها الصوت: لا... لا... انا لم أتزوج منها... كان صوتاً آدمياً يصدر من طائر أزرق... و ذهلت "وردة"... و لكنه وقف بين قضبان نافذتها... و قص عليها القصة كلها.
و بدأت أيام حلوة... كان الطائر الأزرق يطير كل يوم إلى مملكته، و يعود حاملاً لها قرطاً ثميناً... و فى ليلة أخرى عقداً به سبع عشرة لؤلؤة بعدد سنين عمرها، ثم سواراً رائعاً من الماس... و يقضى الليل كله يتحدث إليها... و فى الصباح يطير حتى لا يراه أحد... و مرت سنتان... ازدادت فيهما "وردة" جمالاً و سعادة، و جُنَتْ الملكة التى تعجبت كيف تشعر "وردة" بالسعادة و هى فى سجنها... و أسرت خادمة فى البرج بالسر إلى الملكة... انه الطائر الأزرق.. و فى المساء، عندما طار "شمس" ليقابل أميرته، وقع فى شبكة مملوئة بالسهام... و امتلأ جسمه بالجروح و الآلام، و لكن آلام نفسه كانت أقسي، فقد تصور أن "وردة" هى التى أفشت السر، فمن غيرها يعلم بالحقيقة... و أغمض عينيه مستسلماً للموت و هو حزين...
و فى هذه الأثناء، كان الجنى الطيب "ميرلين" قد دار حول العالم سبع مرات باحثاً عن الأمير "شمس"... حتى أضناه التعب... و ذات مساء، كان يسير متعباً ينادى "شمس"... "شمس"... و إذا به يسمع صوت أنين صادر من طائر أزرق تحت شجرة... مال عليه، و اذا به يفتح عينيه و يقول: أنا الأمير "شمس"... أسرع "ميرلين" يحمل الطائر إلى قصره.... يرعاه و يخفف جروحه... و قص عليه "شمس" كل ما حدث منذ زار الملك و بنتاه، حتى خانته الأميرة "وردة" كما يتصور... و طمأنه "ميرلين" و قال له: اننى أعرف الجنية "سوزى"، انها صديقتى، سنذهب إليها....
قابلت الجنية "سوزى" صديقها مرحبة، و لما عرفت انه راعى الأمير "شمس" وافقت أن ترفع سحرها عنه، على أن تعيش فى قصره الأميرة "ضفدوعة" مدة ثلاثة شهور، ثم يتزوجها.
و وافق الطائر الحزين يائساً، و عاد إلى صورته الآدمية، و فى قصره عاشت "ضفدوعة" فى انتظار يوم الزفاف...
و لكن ما الذى حدث للأميرة "وردة"... ظلت تنتظر طائرها الأزرق كل ليلة، و لكنه لم يعد إليها... فعادت إلى ليالي الحزن و البكاء... و لكن الأيام كانت تحمل لها مفاجأة، فقد مات أبوها الملك، أميرة "وردة" و حطموا سجنها و أعادوها إلى العرش...
و استطاعت "وردة" ان تعيد السلام و العدل و الحب إلى بلادها، و لكن قلبها ظل حزيناً... فهى لم تستطع أن تنسي الأمير "شمس" ... و ذات يوم قررت أن تخرج للبحث عنه... عن الطائر الأزرق... ارتدت ملابس فلاحة بسيطة، و بدأت تطوف البلاد بحثاً عن طائرها...
و ذات يوم توقفت أمام بئر ماء لتشرب، و وجدت عجوزاً طيبة، قالت لها يا عزيزتى الأميرة، لقد عاد الطائر الأزرق إلى هيئته العادية، أصبح أميراً كما كان ، خذى هذه الحبات الثلاثة من البندق، و كلما قابلت مشكلة، اكسرى واحدة... و تأكدى أن متاعبك ستنتهى قريباً...
و تجدد الأمل فى حياة الأميرة "وردة"... أخذت ترحل و ترحل... سبع ليال و سبعة أيام، حتى وصلت إلى تل غريب، تل من العاج... لا يمكن أن يتسلقه إنسان... و عندئذٍ كسرت أول حبات البندق، و إذا بداخلها زوجان من أدوات التزحلق الجميلة، لبستهما فى قدميها، و فى لحظات كانت قد عبرت التل... و لكن... كانت هناك مفاجأة أخرى فى انتظارها... فقد وجدت الوادى و قد أمتلأ بأشخاص من زجاج.... تنظر إليها ضاحكة و تطلب ألا تقترب منها حتى لا تتحطم... و كان عليها أن تعبر الوادى لتصل إلى أرض الأمير "شمس"... فلم تجد وسيلة إلا أن تكسر حبة البندق الثانية، فخرجت منها عربة صغيرة تجرها فئران جميلة، حملتها و طارت بها و طارت، حتى نزلت إلى أرض الملك "شمس"...
و اقتربت من القصر، و رأته... الملك و هو غارق فى حزن عميق، و بجواره الأميرة "ضفدوعة" سعيدة، فقد اقترب موعد الزفاف...
و كسرت وردة البندقة الثالثة، و خرجت منها عربة صغيرة، بها قرد يحمل فى يده ببغاء جميلاً
اقتربت الملكة "وردة" من "ضفدوعة" التى تعرفها فى ملابس الفلاحة، و قدمت لها القرد و الببغاء هدية، و قالت لها، دعى الملك يستمع إليه... انه يقرأ الغيب و يعرف المستقبل...
و أسرعت "ضفدوعة" إلى الملك، و طلبت إليه أن يسمح للببغاء بأن يقرأ طالعه. و فى صوت مشروخ قال الببغاء: مولاى... سوف تتزوج أميرة جميلة، و ستنجب منها بناتاً و صبياناً...
فرحت "ضفدوعة" و هى تتصور أنه يقصدها، و همس الببغاء فى أذن الملك... مولاى لا تنم هذه الليلة، بل اخرج إلى نافذتك... ستسمع شيئاً غريباً...
فى المساء، لم ينم الملك الحزين، و خرج إلى نافذته، و اذا به يسمع صوتاً جميلاً حزيناً، يقص قصة الطائر الأزرق و الأميرة "وردة"، و يغنى أغنية تشرح عذاب "وردة" و هى تبحث عن طائرها...
قفز "شمس" إلى الحديقة، و وجد الفلاحة البسيطة، نظر إليها فإذا بها هى... هى حبيبته "وردة"
و لا داعى لأن أقص عليكم ما حدث، فقد ظلا يتحدثان حتى الصباح.
و صرخت الأميرة "ضفدوعة"... و أخذت تشتم و تصرخ، و حضر الجنى "ميرلين" و الجنية "سوزى" التى صاحت فى وجه "ضفدوعة" و قالت لها: اسكتى، لقد سببت آلاماً كثيرة للناس... انك شريرة، و لا يمكن أن تفلتى من العقاب...
و لمستها بعصاها الخضراء، فتحولت إلى ضفدعة كبيرة، نظرت حولها فى ذعر، ثم قفزت إلى الحديقة... و ربما ظلت ضفدوعة حتى اليوم.
أما الملك "شمس" و الملكة "وردة" فقد أعلنا زواجهما، و استمرت الأفراح سبع ليال و سبعة أيام... و ظل الناس فى سعادة و فرح... يرقصون و يغنون
----------------------------
إرسال تعليق
0 تعليقات